========================================
أجوبة العلماء الشيعة حول سبب غلق باب النبوة على أمة الإسلام
=======================================
السلام عليكم
قد وجدنا أن النظرية العقلية والتي توسع فيها الشيعة بمسألة إرسال الأوصياء والأولياء بعيدا عن النص لا تمنع من إرسال الأنبياء أيضا إلى أمة الإسلام , ولولا أن النص منع من ذلك لقال من قال بإمكانية بل بوجوب أن يرسل الله تعالى الأنبياء حفاظا على الشريعة وكذا وكذا من الأقوال , ولقد قال بهذا القاديانية والذين يزعمون أن النبوة لم تختم وأنه بالإمكان إرسال الأنبياء على نفس الإستدلالات العقلية التي احتج بها الإمامية أنفسهم في محاولة إثبات مسألة إرسال الأوصياء...
وفي الحقيقة أن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب محكم بارتباطه بالنصوص وعدم تقديم العقل على النقل , وسوف أضع في هذه المشاركة الدليل الدامغ من أقوال علماء الشيعة أنفسهم على أن العقل الذي توسع في هذه القاعدة وأدخل فيها من ليسوا من أهلها بغير دليل من الله تعالى مسبق أو قاعدة محكمة قد اصطدم مع نفسه ووقع في تناقض مخجل جدا لا يمكن ستره أو تغطيته.
وسبب هذا التناقض هو أن الشيعة الإمامية تؤمن بأنه لا نبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم - وإن كانت ترفع مرتبة الإمامة فوق رتبة النبوة - وترد على من يحاول أن يمرر هذه الشبهة أي إستمرار النبوة بردود عقلية وفي نفس الوقت هي تعتقد - أي العقلية الشيعية - بأنه يجب إرسال وصي معصوم وفي هذا من التناقض الواضح , ولكني أدع كلام علماء الشيعة يُبرزون هذا التناقض من كتبهم...
وأضع الآن سؤالين لعلماء الشيعة في هذا الباب , ثم أضع كلامهم وجوابهم عن الأسئلة ثم نتظر إلى التناقض في هذا الباب
السؤال الأول : لماذا ختمت النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال الثاني : لماذا يحتاج المسلمين إلى معصوم يقودهم ؟
فتابع وتأمل رحمك الله إلى الأقوال المتضاربة والمتناقضة في جواب هذين السؤالين , لأن المسألة تدور حول جواب لسؤال واحد ( هل أمة الإسلام قاصرة أم أنها راشدة ناضجة , فإذا كانت قاصرة فيجب أن تبقى عليها الوصاية الإلهية وأما إن كانت ناضجة وقادرة على التبليغ وصيانة دينها بنفسها فالصحيح أن ترتفع الوصاية الإلهية عنها ) صح يا الموسوي
-----------------------------------------------------------------------------------
السؤال الأول : لماذا ختمت النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ننظر في أحوبة علماء الشيعة
يقول الآية العظمى مكارم الشيرازي:[ ثمة تساؤلات تبرز في موضوع ختم النبوة لا بد من الإشارة إليها:يقول بعضهم إن إرسال الأنبياء فيض إلهي عظيم،فلماذا حُرِمَ أناس في هذا الزمان من هذا الفيض؟ لماذا لا يكون لأهل هذا الزمان هاد وقائد جديد يهديهم ويقودهم؟
إن الذين يقولون هذا قد غفلوا في الحقيقة عن نقطة مهمة،وهي أن حرمان عصرنا لم يكن لعدم جدارتهم،بل لأن قافلة البشرية في هذا العصر قد بلغت في مسيرتها الفكرية وفي وعيها مرحلة تمكنها من إدامة مسيرتها بإتباع الشريعة ،ولنضرب هنا مثلاً: أولو العزم من الأنبياء الذين جاؤوا بدين جديد وبكتاب من السماء،وهم خمسة(نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام) وقد ظهر هؤلاء كل في فترة معينة من الزمان،وسعوا لهداية البشر ووضعهم على طريق التكامل،فأوصل كل منهم القافلة البشرية من مرحلة إلى المرحلة التي تليها وسلمها إلى النبي الذي يليه من أولي العزم،إلى أن بلغت القافلة من مسيرتها إلى الطريق النهائي،كما بلغت القدرة التي تمكنها من مواصلة مسيرتها وحدها نهايتها، مثلها مثل التلميذ الذي يطوي مراحل الدراسة الخمسة حتى يتخرج في الكلية(وبالطبع لا يعني هذا أنه إنتهى من التعليم، بل يعني أهليته للاستمرار بمفرده دونما حاجة الى معلم أو مدرسة)،وهذه المراحل هي:المرحلة الابتدائية،المرحلة المتوسطة،المرحلة الإعدادية،المرحلة الجامعية،وأخيراً مرحلة الحصول على الدكتوراه، فإذا لم يواصل دكتور الدراسة في الجامعة،فلا يعني هذا أنه ليس جديراً بالدراسة،بل يعني أن لديه من المعلومات ما يمكنه من حل مشكلاته العلمية بالاستعانة بها،ومن الاستمرار في مطالعاته ومواصلة تقدمه ))كتاب (دروس في العقيدة الاسلامية)- ناصر مكارم الشيرازي ص176-177.
----------------------------------------------------------------------------------
يقول الآية العظمى جعفر سبحاني :[ السؤال الأول:وحاصله:هب أنه ختمت النبوة التشريعية ، فلماذا ختمت التبليغية منها ؟
توضيحه: إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد ، فالنبوة تشريعية وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم، فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية.
حينئذ ، فقد يسأل سائل ويقول: هب أن نبي الإسلام جاء بأكمل الشرائع وأتمها وأجمعها للصلاح وجاء بكل ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاده إلى يوم القيامة ولم يبق لمصلح رأي ولمتفكر نظر ، في أصول الإصلاح و أسسه، لان نبينا (ص) قد أتى بصحيح الرأي و أتقنه و أصلحه في كافة شؤون الحياة ومجالاتها ولأجل ذلك الاكتمال أوصد باب النبوة التبليغية التي منحها الله للأمم السالفة فان الشريعة مهما بلغت من الكمال والتمام لا تستغني عمن يقوم بنشرها وجلائها وتجديدها ، لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف بأسلوب صحيح ، فلماذا أوصد الله هذا الباب بعدما كان مفتوحاً في وجه الأمم الماضية، ولماذا منح الله سبحانه هذه النعمة على السالف من الأمم وبعث فيهم أنبياء مبلغين ومنذرين وحرم الخلف الصالح من الأمم منها ؟ .
الجواب:
إن انفتاح باب النبوة التبليغية في وجه الأمم السالفة وإيصاده بعد نبي الإسلام ليس معناه ان الأمم السالفة استحقت هذه النعمة المعنوية ، لفضيلة تفردت بها، دون الخلف الصالح من الأمم ، أو ان الأمة الإسلامية حرمت لكونها اقل شأناً و أهون من الأمم الخالية - كلا - بل الوجه ان الأمم السالفة كانت محتاجة إليهادون الأمة الإسلامية ، فهي في غنى عن أي نبي مبلغ يروج شريعة نبي الإسلام. وذلك ان المجتمعات تتفاوت ادراكاً ورشداً ، فرب مجتمع يكون في تخلفه كالفرد القاصر ، لا يقدر على ان يحتفظ بالتراث الذي وصل إليه ، بل يضيعه كالطفل الذي يمزق كتابه ودفتره غير شاعر بقيمته .ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه ، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، او مبلغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، او معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ، إلى غير ذلك من الشؤون ،فأفراد الأمم السالفة كانوا كالقصر غير بالغين في العقلية الاجتماعية فما كانوا يعرفون قيمة التراث المعنوي الذي وصل اليهم بل كانوا يلعبون به لعب الصبي بكتابه ، بتحريفهم له وتأويله بما يتوافق مع أهوائهم ومشاربهم ، ولذا كان يحل بالشريعة اندراس بعد مضي القرون والأجيال ويستولي عليها الصدأ بعد حقبة من الزمان .لهذا ولذلك كان على المولى سبحانه ان يبعث فيهم نبي جيل بعد جيل ليذكرهم بدينهم الذي ارتضاه الله لهم ، ويجدد شريعة من قبله ويروج قوله وفعله ويزيل ما علق بها من شوائب بسبب أهواء الناس وتحريفاتهم .
و أما المجتمع البشري بعد بعثة الرسول (ص) ولحوقه بالرفيق الأعلى ، فقد بلغ من المعرفة والإدراك والتفتح العقلي والرشد الاجتماعي شأواً يتمكن معه من حفظ تراث نبيه وصيانة كتابه عن طوارق التحريف والضياع ، حتى بلغت عنايته بكتابه الديني إلى تصنيف أنواع التأليف في أحكامه وتفسيره وبلاغته ومفرداته واعرابه وقرائته فأزدهرت تحت راية القرآن ضروب من العلوم والفنون .
فلأجل ذلك الرشد الفكري في المجتمع البشري ، جعلت وظيفة التبليغ والانذار على كاهل نفس الامة حتى تبؤات وظيفة الرسل من التربية والتبليغ، واستغنت عن بعث نبي مجدد على طول الزمان يبلغ رسالة من قبله ...... )كتاب (مفاهيم القرآن) ج3ص217-221.
-----------------------------------------------------------------------
يقول السيد مجتبى اللاري (( والآن كيف يمكننا حلّ هذا التناقض الذي يبدو بين ضرورة البعثة التي هي سبب في إعطاء الحياة سرعتها الطبيعية وحركتها اللازمة من ناحية ، وختم النبوة من ناحية أخرى ، بين الأصل الرافض للتغيير في أسس الإسلام وأصل الصيرورة الاجتماعية والبحث عن مفاهيم وسنن جديدة ؟...
الجواب:
إن الإسلام الذي فاجأ الناس بفكرة النبوّة الخاتمة هو الذي يجيب على هذه التساؤلات.
فإحدى العلل لتجديد رسالات الأنبياء وتتالي الرسل هي ما يقع من تحريف في الكتب السماوية ، ولهذا فهي تفقد عندئذ صلاحيتها لهداية البشرية و إرشادها ، أما عندما يصل الإنسان إلى مرحلة من النضج بحيث يستطيع المحافظة على السنن والتعاليم الدينية بعيدة عن التحريف والتغير ، ويتمكن من النهوض بنشرها فانه ينتفي حينئذ اعظم الأسباب لتجديد الرسالة ، و لا تبقى حاجة لنبوة جديدة .
إذن يختلف عصر ظهور نبي الإسلام من هذه الناحية عن العصور التي ظهر فيها الأنبياء الآخرون بصورة كاملة ، حيث ان الإنسان قد وضع أقدامه في مرحلة النضج الفكري وتهيأت الظروف اللازمة لاختتام الرسالة .
فالنضج الاجتماعي والوعي العلمي قد أوصل الإنسان إلى مرحلة يكون فيها هو الحافظ والمبلّغ لدينه السماوي ، وبهذا يتحقق ركن مهم من أركان الخاتمية، وتسند مهمّة الإرشاد والدعوة منذئذ إلى العلماء والمفكرين وذلك لان الإنسان منذ هذا التاريخ أصبح قادراً على حفظ تراثه التاريخي ومنجزاته المعنوية بفضل هذا الكتاب الكريم ، وبفضل ما أصبح يتمتع به من نضج ثقافي واجتماعي، ويجب عليه الحيلولة دون تحريف أو تغير هذا الكتاب الموحى إلى النبي الكريم، وذلك لان هذه الرسالة سوف تنتقل منذ الآن إلى المجموع ، وسوف لن تكون المسؤولية على عاتق فرد واحد فحسب وذلك كما يقول القرآن: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))وعندما يصل الإنسان إلى مرحلة النضج الإنساني والقدرة على استيعاب الحقائق الكلية والقوانين الإلهية يصبح العلماء خلفاء للأنبياء ، لكي يوسعوا في أفكار الناس مكاناً للمقاييس الأصيلة ، وفي ظل التطلعات الرفيعة للدين يأخذون على عاتقهم مهمة البحث والاجتهاد والنضال ضد التحريف والتزوير وإشاعة المعايير الإلهية في اتجاهها الصحيح ....ومن حيث اختلاط التخطيط الذهني بالواقعيّات الخارجية فقد أثبتت البشرية خلال ما يناهز خمسة عشر قرناً أنها مهيأة لتحمّل المسؤوليات الكبيرة ، وأنها قادرة على حفظ الميراث الذهني والعلمي ، وقد أبدت عمقاً في نظرتها الواقعية في مرحلة التحليل والتفسير .
وهذه الأمور تثبت أن الإنسان قد وصل إلى مرحلة الاستقلال والقدرة على حفظ الآيات السماوية بأقصى دقّة ، وانه يتحمل عبء الدعوة والتفسير ونشر الدين الحنيف.
وعندما وصلت التعاليم الإلهية إلى الإنسان انتفت الحاجة لمجيء نبيّ جديد، فلو فرضنا أننا أخذنا قطعة من الأرض وأجرينا فيها الدراسات اللازمة الدقيقة لاكتشاف ما فيها من آثار تأريخية ،فإننا نقطع حينئذ بعدم وجود شيء مخفيّ في بطن الأرض ،ولا يبقى هناك مجال آخر واكتشاف جديد ، وكذا لحال بالنسبة للأمور المتعلّقة بالوحي .
فعندما اجتازت النبوّة تلك المراحل المختلفة انتهت إلى أرفع درجات كمالها ورقّيها ،واتضحت من ناحية الوحي كلّ الزوايا المبهمة والغامضة التي يمكن ان تصل إليها أفكار الناس ، وعندئذ لا تبقى نقطة مبهمة ولا طريق غير مسلوك ، فتكون النبوة قد وصلت إلى آخر مدها في أداء دورها الخاص و أعمالها المستمرة،وتصبح قادرة على الاستمرار في حياتها مرتبطة بالمنبع اللانهائي للوحي ، ومتصفة بالاتّساع والخروج على بعد زمان واحد ، ومتمّيزة بنظام قيمي وثقافي واجتماعي واحد )) كتاب (أصول العقائد في الإسلام) ج2 ص193-201.
----------------------------------------------------------------------------------
قال علامة الشيعة إبراهيم الأميني: في عدة مواضع من كتابه(النبوة والنبي) منها:1-قال ص130-131:[إن المجتمع البشري في ذلك الزمان كان قد بلغ حداً من حيث العقل والفكر والإمكانات العلمية ، يستطيع معه أن يحافظ على المواريث العلمية والدينية بصورة كاملة ، وينقلها إلى الأجيال اللاحقة بأمانة ودقة،في مثل هذا العصر بُعِث رسول الله ص من جانب الله تعالى بالرسالة ليضع بين يدي النفوس البشرية المتكاملة المستعدة أسمى المعارف وأرقاها ... ولقد بقي القرآن الكريم-كما تلاحظونه- وعلى أثر حفظ الحفاظ وكتابة الكتاب في صورته الكاملة دون أي زيادة أو نقصان ، ومن دون أي تغيير أو تحريف ، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة ، وهكذا بقيت الأحكام والقوانين والمقررات الإسلامية في صورة-حديث- مدوَّن مضبوط في بطون الكتب والمؤلفات].
2-قال ص138:[فلماذا-ترى-تنتفي الحاجة إلى أنبياء مبلِّغين يقومون بمهمة الترويج لتلك الشرائع ، فكما أن الله سبحانه كان يرسل بعد كل نبي صاحب شريعة-من أولي عزم- أنبياء عديدين ليقوموا بترويج الشريعة المتقدمة وتبليغها للأجيال اللاحقة؟ يمكن القول بأن المجتمع البشري في عصر البعثة المحمدية كان قد بلغ في التكامل الفكري والرشد العقلي حداً أصبح معه صالحاً لأن يحافظ على المواريث الأنبياء العلمية والدينية ويصونها من خطر الحوادث ، وأن يكون نفسه مبلِّغاً لتلك القيم والمفاهيم المقدسة ، وقد وصل في هذا المجال إلى درجة الاكتفاء الذاتي ، ولهذا لم تبقَ حاجة بعد هذا إلى إرسال الرسل
---------------------------------------------------------------------------------------------------
يقول مرتضى مطهري:في عدة مواضع من كتابه(الوحي والنبوة) ، وإليك بيانه في مسألتين هما:
المسألة الأولى:
لقد تعرض مطهري لقضية ختم النبوة وذلك من خلال عرضه للسبب الموجب لبعث نبي جديد وهو حالة المجتمع من حيث البلوغ والنضج كي يحافظ على التراث السماوي أو لا ، وقد صرح بهذا السبب في عدة مواضع من كتابه(الوحي والنبوة) ومنها:
1-قال ص30:[ ويتضح مما قيل أن لبلوغ البشر الفكري الاجتماعي دور في خاتمية النبوة].
2-قال ص29:[لما كان الإنسان القديم بسبب عدم بلوغه الفكري ونضجه غير قادر على المحافظة على كتابهم السماوي ، وأصبحت الكتب السماوية عادة موضع تحريف وتغيير ، أو ربما تؤول إلى الضياع نهائيا ولذا كان لزاماً أن تتجدد الرسالة].
المسألة الثانية:
والتي بيَّن فيها المظاهر التي تجلَّت من خلالها بلوغ الأمة الإسلامية ذلك النضوج الفكري والتكامل في الرشد والتي أهلتها لأن يقوم بكل الوظائف التي كان يقوم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي من أهمها وأبرزها هو حفظ الدين وصيانته من التحريف ثم بعدها نشره وتفسيره وتبليغه للبشرية ، فمن أقواله ما يلي:
1-قال ص29:[ لما كان الإنسان القديم بسبب عدم بلوغه الفكري ونضجه غير قادر على المحافظة على كتابهم السماوي ، وأصبحت الكتب السماوية عادة موضع تحريف وتغيير ، أو ربما تؤول إلى الضياع نهائيا ولذا كان لزاماً أن تتجدد الرسالة ، وأن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة].
قال ص30:[كان أغلب الأنبياء-بل أكثريتهم التي تقارب الإجماع-تبليغيين لا تشريعيين ، وربما لا يتجاوز الأنبياء التشريعيون عدد أصابع الكف الواحدة ، وكان عمل الأنبياء التبليغيين هو تبليغ الشريعة وترويجها وتنفيذها وشرحها ، ويتمكن علماء الأمة في عصر الخاتمية الذي هو عصر العلم من تطبيق الكليات مع الظروف والمقتضيات الزمانية والمكانية بمعرفة أصول الإسلام العامة ومعرفة الظروف ، ثم استنباط الحكم الإلهي واستخراجه ، واسم هذه العملية "الاجتهاد" ، وإن علماء الأمة الإسلامية الأكفاء يقومون بكثير من واجبات الأنبياء التبليغيين وبعض واجبات الأنبياء التشريعيين-دون أن يكونوا مشرِّعين- عن طريق الإجتهاد وواجب هداية الأمة الخاص ، ولهذا فقد انتفت الحاجة إلى تجديد النبوة ونزول كتاب سماوي جديد ومجئ نبي جديد إلى الأبد وانتهت النبوة بنفس الوقت الذي بقيت فيه الحاجة إلى الدين دائماً ، بل كلما تقدمت البشرية نحو المدنية تكثر الحاجة إلى الدين].
--------------------------------------------------------------------------------------------------
يقول آية الشيعة العظمى محمد باقر الصدر: في عدة مواضع من بحثه (النبوة الخاتمة) منها:في ص57-58:[هو خط تحمل أعباء المسؤولية الأخلاقية للدعوة ، يعني كون الإنسان بالغاً إلى درجة تؤهله لأن يتحمل أعباء دعوة لها ضريبتها وواجباتها وآلامها وهمومها،مثل هذا التحمل أيضاً له درجات ولا يستطيع الإنسان(بالطفرة) أن يصل إلى درجة تحمل أعباء الرسالة العالمية الواسعة غير محدود الزمان والمكان لم يستطع أن يصل ذلك بالطفرة ، وإنما يستطيع أن يصل إليه بالتدريج وعبر مرانٍ طويل على تحمل مسؤولية البشرية ، بقي يتحمل المسؤوليات عبر مران طويل ونما خلال المران الطويل حتى استطاع أن يتحمل مسؤولية رسالة لا حد لها ممتدة مع الزمان والمكان ...].
وصف أمة موسى - عليه السلام - وأمة عيسى - عليه السلام - بعدم الأهلية لتحمل أعباء الرسالة مقارنة بأمة الإسلام التي تحققت فيها تلك الأهلية فقال ص58-59:[ وإلا فأي مسؤوليات تتحملها أمم الأنبياء السابقين ، الأمم التي انكشف تاريخها أمامنا اليوم ، أمم (موسى) و(عيسى) مثلاً،
نحن بالمقارنة بين أمم (موسى) و(عيسى) ، والمسؤوليات التي تحملتها الأمة الإسلامية حينما نزل الوحي على النبي محمد ص بالرسالة الخاتمة ، بالمقارنة بينهما نكتشف وجود درجة كبيرة في الفارق بينهما في تحمل المسؤوليات وهذه الدرجة الكبيرة في تحمل المسؤولية تعبر عن نحو الإستعداد على مر الزمن،موسى عليه السلام مات وشعب بني إسرائيل في التيه ، توّجَ حياته وجهاده وتضحياته بأن مات وشعب بني إسرائيل في التيه لأن الله كتب عليهم التيه أربعين سنة ، لأنهم لم يستجيبوا لمتطلبات الرسالة ، لم يستجيبوا أبداً لما تقتضيه رسالة موسى بالنسبة إليهم، حتى خلفهم موسى ع حيارى ومات، أين هذا من أمة حملت أعباء الرسالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم].
3-قال كلاماً متفرقاً ص61 حاصله:[ إن الإنسان وصل إلى الحد النهائي من ناحية تحمله لمسؤولية أعباء الدعوة حينما جاء الإسلام ، ولذا لا نجد أي تغيير حقيقي في اتساع التحملات الأخلاقية في أعباء الدعوة منذ جاء الإسلام إلى يومنا ، بمعنى أنه بلغ الذروة حين جاء الإسلام فلم يحتج أن يتغير أو يضاف إليه شئ]
---------------------------------------------------------------------------------
خلاصة هذه الأقوال
1- الأمة الإسلامية ناضجة ولا تحتاج إلى نبي آخر , فهي قادرة بنفسها على التبليغ وصيانة الدين والمحافظة على السنن وغير ذلك من معالم الشريعة بدون نبي مبلغ.
2- النضج في الأمة كان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولذلك حافظ المسلمون على القرآن والآثار.
3- أمة الإسلام ليست مثل أمة موسى عليه السلام - وتأمل كلام باقر - فأمة موسى عليه السلام كانت تحتاج إلى الوصاية بخلاف أمة الإسلام ( تذكر هذا يا الموسوي عند نقلك لحديث ( انت مني بمنزلة هارون من موسى )
4- العلماء المجتهدين في أمة الإسلام يقومون بما يقوم به الأنبياء المبلغون , وقد اكتملت الشريعة ونضجت العقول فلا حاجة إلى أنبياء أو رسل ليجددوا أو يحافظوا على معالم الدين.
قد يتعجب القارئ من هذا الكلام الموافق لكلام أهل السنة والجماعة من أن أمة الإسلام ناضجة بنفسها وقادرة على حمل أمانة صيانة الدين والتبليغ والسؤال الآن هو :
هل توافق على هذه الخلاصة وعلى هذا الكلام من علماءك يا الموسوي الزميل ؟؟؟ وهل تعتقد أن أمة الإسلام ناضجة لا تحتاج إلى وصاية إلهية أم أنها قاصرة مازالت تحتاج إلى الوصاية الإلهية ؟
في الإنتظار , والحمد لله رب العالمين