بسم الله الرحمن الرحيم
انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا
صدق الله العلي العظيم
بما ان الاية المباركة تتحدث عن الموقع القدسي لاهل البيت عليهم السلام فهو موقع العصمة والطهارة , في ذلك وقع البحث عن علاقة المسلمين باهل البيت عليهم السلام .
هناك اطروحة يتبناها بعض الكتاب العرب محصلها ان التشيع مر بمرحلتين مرحلة التشيع العربي ومرحلة التشيع الفارسي , التشيع العربي هو الذي ولد في احضان الجزيرة العربية على يد مجموعة من العرب منهم ابوذر الغفاري وحجر بن عدي الكندي وامثالهم , وكان التشيع العربي يحمل خصائص متجانسة مع المذاهب الاسلامية الاخرى فلم يكن التشيع العربي بعيدا عن الاجواء الاسلامية المحيطة به الى ان توسعت رقعة التشيع ودخل المجتمع الفارسي في اطار المذهب الشيعي واصبحت اقطاب هذا المذهب من علماء الفرس فادخلوا في المذهب الشيعي مفاهيم ليس لها اصل من الشريعة وانما مفاهيم استقيت من الفلسفة الفارسية الاشراقية التي كانت يمتلكها المجتمع الفارسي ايام كسرى وقبل الاسلام .
فنصير الدين الطوسي وابن سينا و شهاب الدين السهروردي وملا صدره الشيرازي صبغوا المذهب الشيعي بالصبغة الفارسية يعني بفاهيم فارسية مستقاة من الحضارة او الفكر الفارسي الاشراقي الذي كان مهيمنا على الحضارة الفارسية قبل الاسلام وبذلك ابتعد التشيع عن اجوائه العربية وعن حظيرته الاسلامية لانه اكتسب مفاهيم جديدة ودخيلة ليست من الشريعة من هنا بدات بعض الاقلام تركز على الفرق بين التشيع العربي والتشيع الفارسي ولكل منهما معالم تختلف عن الآخر .
وتتلخص هذه الاطروحة بخمسة وجوه تتعرض للفرق بين التشيع العربي والتشيع الفارسي وسوف نطرح الوجوه ومناقشتها بشكل مفصّل نوعا ما .
الوجه الاول : الوجود متكثر ام واحد
ولنبيّن المسألة بشكل بسيط نقول أننا عندما نلقي نظرة على ما حولنا فنحن نرأى حقائق عديدة انسان – حيوان – نبات – جماد هذه حقائق عديدة وهذا ما يقول به العلم والتشيع العربي حيث ان التشيع العربي يرى ان الوجود كما نراه حقائق متعدده الانسان غير الحيوان والحيوان غير النبات , يعني الوجود على نحو الكثرة .
اما الفلسفة الاشراقية الفارسية طرحت نظرا آخر وقالت ان هذا الوجود الذي ترونه حقائق هو بالواقع حقيقة واحدة فليس بالوجود الا حقيقة واحدة وهي الله سبحانه وتعالى واما هذه الاشياء انسان – جماد نبات – مجرد اوهام , ان هي الا اسماء سميتوها انتم واباؤكم . فهذه الاشياء مجرد تعبيرات ورموز تعبر عن ذلك الموجود الواحد وهو الله سبحانه وتعالى فهم يرون ان الوجود حقيقة واحدة ليست متكثّرة .
الوجه الثاني : مصادر المعرفة
ان العلم الانساني والتشيع العربي يرى ان مصادر المعرفة مصدران العقل والوحي , فهناك معلومات نكتسبها من العقل واخرى من الوحي , حسن الاشياء وقبحها نكتسبها من العقل , الامانة شي حسن والخيانه شئ قبيح , وهناك معلومات مصدرها الوحي كعالم القبر , عالم الملائكة , عالم القيامة , هذه معلومات نكتسبها عن طريق الوحي .
اما التشيع الفارسي يعني الفلسفة الاشراقية الفارسية تقول : كما يقول شهاب الدين السهروردي او بعض كلمات الملاصدرة الشيرازي يقول : " ان المصدر للمعرفة هو الوحي والوحي درجات , اعلى درجة من درجات المعرفة هي الشهود يعني ان ينكشف لدى الانسان عالم الملكوت ويأخذ من الملك مباشرة وادنى مراتب الوحي هي الالهام " , فام موسى اوحي اليها يعني الهمت ( واوحينا الى ام موسى ) فمصدر المعرفة هو الوحي , و النفس البشرية اذا تخلت عن الرذائل واذا تحلّت بالفضائل يتجلى فيها نور الوحي وتلهم وتصل الى المعارف الصائبة .
الوجه الثالث : الامامة ( كفاءة أم وراثة )
ان التشيع العربي لا يرى الامامة بالوراثة بل يراها بالكفاءة يعني الشيعة الاوائل قالوا بامامة علي لانه اكفء من غيره ثم قالوا بامامة الحسن لانه اكفء من غيره , ثم ذهبوا للحسين لانه اكفء من غيره ثم ذهبوا لزين العابدين الى ان وصلوا للامام الباقر فاختلفوا من لديه كفاءة قال جماعة أن زيد بن علي أكفء , فصارت الزيدية وقال غيرهم أن جعفر أكفء فصارت الجعفرية وبعد موت الصادق صارت الكفاءة مرددة بين اسماعيل وموسى فمن اسماعيل صارت الاسماعيليّة ومن موسى صارت الاماميّة .فكانوا ( أصحاب التشيع العربي ) يرون أن الامامة ليست بالوراثة بل بالكفاءة وينتخبون الاكفأ .
أما الشيعة الفرس تبنوا نظرية كانت موجودة من ايام الملوك الساسانيين الذين حكموا بلاد فارس حيث كان المجتمع الفارسي يرى ان الله تعالى هو الموجود الاول والاخير وفي الكون رموز واشارات له تبارك وتعالى فاذا كان الرمز اكثر تجليا لله عز وجل فهو اولى من غيره فكلما صار الانسان اكثر مظهرا لله عزوجل فهو الاكفأ من غيره لذلك المجتمع الفارسي كان يرى ان الملوك الساسانين عائلة تجلى الله فيهم فهم اكثر الناس مظهرية لله عز وجل لاجل ذلك ثبت فيهم الملك وثبتت فيهم الزعامة والوراثة , فعندما دخل الفرس للاسلام أدخلوا نفس المفهوم الذي لديهم , وقالوا بأن اهل البيت من الامام علي عليه السلام الى الامام الثاني عشر هؤلاء مجموعة تجلى الله فيهم وهم اقوى رموز تشير الى الله لذلك ثبتت فيهم الامامة بالوراثة , فهذا مفهوم دخيل على التشيع جاءت به الفلسفة الاشراقية الفارسية .
الوجه الرابع : المعارضة و الولاية
التشيع العربي هو حركة معارضة من اول يوم , فالامام علي عليه السلام كان يدير حركة معارضة وابناؤه كذلك , ومن أظهر المعارضة العسكرية الامام الحسين و زيد بن علي وغيرهم , فالتشيع العربي ما عرف الا بالثورة والمواجهة والمعارضة , بينما التشيع الفارسي ادخل مفاهيمه , فقال فرق بين الفقهاء وغيرهم , فالفقهاء ورثوا التجلي من الائمة فلما انتهى عصر الائمة الوريث لمظهر التجلي هم الفقهاء , الراد عليهم كالراد على الله وعلى رسوله وجعلوا قدسية للفقيه لم تأتي من اصل شرعي , ثم اتوا باحاديث العلماء ورثة الانبياء ومن رد على العلماء فقد رد على الله وامثالها , فاصبحت نظرية ولاية الفقيه , فهي مستقاة من الحضارة الفارسية من الفلسفة الاشراقية الفارسيّة . باختصار قالوا ان هذا الفقيه مظهر لتجلي الله سبحانه فحق على الامة ان تستمع وان تطيع ولا تناقش ولا تعارض فقتلوا روح المعارضة الموجودة في التشيع العربي بهذه الطريقة الدكتاتورية المصنوعة بشكل جميل.
الوجه الخامس : الشعائر
ان التشيع العربي لم يكن يعرف شي اسمه شعيرة وشعائر . فالعرب طبيعتهم يحزنون فترة مؤقتة وانتهى , فطبيعة العرب لا يحملون هذا النفس الطويل من الحزن فدخلت عليهم ما يسمى بالشعائر مثل الضرب على الصدور والضرب بالسيوف والمشي على الجمر فهذه المفاهيم دخلت على التشيع العربي , والتشيع الفارسي ادخل هذه الشعائر عن طريق شاه عباس الصفوي فهو حكم العراق وفرض هذه الطقوس من تطبير وسلاسل حتى انك ترى الشيعة يجلدون انفسهم كل ذلك لاجل الطقوس التي نشرتها الثقافة الفارسية ومنشأ هذه المفاهيم الفارسية ان الفرس كانوا يحبون الى الملوك الساسانيين ويقبلون التراب الذي يمشون عليهم وبما ان نظرتهم انتقلت الى الائمة وانهم مظهر لتجليات الله سبحانه فهم أيضا يقيمون هذه الطقوس لهم وينبغي لنا ان نفنا لأجلهم ونذوب فيهم فنطبر ونجلد نفسنا لاجلهم .
فهذه الوجوه كلها توصل الى نقطة معينة ان التشيع العربي فقد صفاءه وحسنه عندما اختلط بالتشيع الفارسي , فضاعت المفاهيم بين التشيع الاصيل والتشيع الغير اصيل .
نحن حتى نسلط الضوء على هذه الاطروحة التي يروج لها هذه الايام وجب أن نعرف شيئين الأول أنها اشتملت على خلط الأوراق والاعتماد على مصادر غير معتبرة , والثاني أنها اطروحة ( قوميّة ) ما أتى بها الاسلام , فالاسلام لم يفرّق بين العربي والفارسي , وحتى نتكلم بعلميّة ان هذه النظرة نشأت منذ بداية عهد بني أميّة حيث أنهم أزاحوا الموالي ( العجم ) من جميع المناصب واستبدلوهم بالعرب فبدأت منذ ذلك العهد الطبيقيّة والفرق بين العربي والفارسي , ومن الغريب ان تجد عند بعض المفكرين العرب هذه النزعة نزعة العروبة والفرس وهو مفكر او اديب ومثقف.
وقبل الشروع بالرد على هذه الاطروحة وجب ان نلتفت الى أمر مهم جدا أنه اذا كانت هناك مجموعة من علماء الشيعة من الفرس فهل هذا يعني ان المذهب اختلطت فيه مفاهيم فارسيّة ؟
اذا كان الأمر كذلك فهذا الاشكال لا يقع على الشيعة فقط بل ينسحب الى غيرهم من المذاهب فالمذاهب الاسلامية الاخرى مؤسسيها فرس , فمن الائمة الأربعة لا يوجد عربي سوى احمد بن حنبل . ولو ذهبنا الى كتب الصحاح فاصح كتاب عند بعض المذاهب الاسلامية بعد القران هو البخاري والبخاري من بخارى فارسي وتلميذه الترمذي من بخارى والنسائي من نسا وهي قرية من قرى خراسان , اذن لا تختص المسالة بالشيعة فقط بل تنسحب الى جميع المذاهب الاسلامية .
مناقشة الوجوه
الوجه الاول : المنظار الى الوجود
عندنا نظريتان نظرية وحدة الوجود ونظرية وحدة الموجود أما النظرية الأولى هي نظرية وحدة الوجود ونظرية أخرى هي نظريّة وحدة الموجود .
الفرق بين النظريتين : ( بمثال )
اذا قارنا بين نور الشمس ونور الشمعة , فهذه لها نور والاخرى كذلك هذان نوران او نور واحد ؟! هذان نوران مختلفان وكل منهما له خصائص طبيعية معينة , لكن يجتمعان في قاسم مشترك نسميّه حقيقة النور , فهما نوران وان اجتمعا في حقيقة النور . فنفس الشئ بين وجود الانسان ووجود الله سبحانه فليس وجود الانسان كوجود الله سبحانه وتعالى , فوجود الانسان وجود محدود العلم والحياة والقدرة اما وجود الله سبحانه وجود لا محدود لكن الوجودين يشتركان في حقيقة واحدة وهي الوجود وهذا معنى نظرية وحدة ( الوجود ) .
اما نظرية وحدة الموجود تقول لا وجود لموجودات بل هناك وجود واحد والوجودات الاخرى عبارة عن أوهام , وهذه نظرية وحدة الموجود .
فنظرية وحدة الوجود هي النظرية التي يقول بها ( الفكر الشيعي سواء عربي او فارسي ) أما نظرية وحدة الموجود يقول بها بعض علماء العرفان لا كلهم فانت تاتي وتقول ان التشيع العربي يرى الكثرة والتشيع الفارسي يقول بالوحدة . فمن علمائنا الفرس يقول بوحدة الوجود لا وحدة الموجود .
فالخلط الذي وقع ان علماء المذهب الشيعي يقولون بنظرية وحدة الوجود , وبعض علماء العرفان يقولون بوحدة الموجود , وحتى من علماء العرفان الذين يقولون بهذه النظرية عرب ويخالفهم فرس فكيف بنى أصحاب الاطروحة هذه الفكرة ( لا نعلم ) .
الوجه الثاني : مصادر المعرفة
لم نجد في كتاب شيعي معتبر ان مصادر المعرفة هي واحدة بل وجدنا في كتاب شهاب الدين السهروردي فقط وهو لا يعبر عن الفكر الشيعي بالكامل فيقال الشيعة الفرس غيروا من مفاهيم التشيع العربي الى تشيع فارسي واذا أدرت ان تعرف مصادر المعرفة ارجع الى كتب الاصول , وكتب اصول الفقه وعلم الكلام ككتب العلامة الحلي ونصير الدين الطوسي والسيد الخوئي وغيرهم يرون ان المرجعية الوحيدة والاولى في اكتشاف الحقائق هو العقل , فلولا العقل ماثبت ان هناك وحي اساسا , فيذكر علماؤنا دليلين عقليين على وجود الله سبحانه ولزوم بعثة الأنبياء , الدليل الاول دليل الحسن والقبح العقليين والاخر دليل حساب الاحتمالات فهذه المرجعيّة لاثبات الحقائق , ونعم هناك ادلة اتت عن طريق الوحي صدقنا بها بعد ان اثبتنا ان الوحي كلام الله سبحانه عن طريق العقل , فالمرجع الاول للمعارف هو العقل وهذا ما عليه الشيعة فرسا وعربا .
الوجه الثالث : الامامة ( كفاءة ام وراثة )
ان مسألة أنّ الامامة ( الوصاية الالهيّة ) تنتقل من عائلة واحدة فهذه نظريّة فارسيّة , الجواب أبدا هذه النظرية قرآنيّة صرفة ( شرايك ) قوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) فالنبوّة انتقلت من ابراهيم الى ابنه الى ابن ابنه الى حفيده . وورد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ( لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية ).
فهذه النظرية قرآنية وليست فارسيّة , فالقران يقول ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) يعني هذا البيت بيت الطهارة فيه متوارثة من سابق الى لاحق . الرسول الاعظم يقول في حديث الثقلين اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهم لن تضلوا بعدي . فهذا الحديث اورده مالك وابن حنبل وابن حجر فكلهم عرب . اذن مسالة تناقل الامامة من سابق الى لاحق نظرية قرآنية .
ثم نحن لا نرى الامامة بالوراثة بل نراها بالنص الدال على الكفاءة , لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه واله وسلم فمن يرثه المفروض ان من يرثه ابنته السيد فاطمة سلام الله عليها لكن الامامة انتقلت الى الامام علي عليه السلام , كذلك بعد موت الامام الحسن المفروض ان يرثه ابنائه لكنها انتقلت الى الامام الحسين, وبعد موت الامام الصادق عليه السلام المفترض تنتقل الامامة الى ولده الاكبر عبدالله لكنها ذهبت الى ولده موسى الاوسط . فليست المسالة عندنا بالوراثة بل بالكفاءة يعني من كان معصوما عالما فهو الامام والكيفية عن طريق النص , فزيد بن علي كان انسان تقي وابن اخيه جعفر الصادق كان تقيا طاهرا وما ميز لنا العصمة والعلم هو النص .
الوجه الرابع : ولاية الفقيه
تصوير ولاية الفقيه كانها مبدا ادخله الفرس على الفكر الشيعي واستغفلوا حتى الشيعة انفسهم على ان هذا المفهوم هو مفهوم فارسي مستورد , اولا ان مسالة ولاية الفقيه لا تحتاج الى هذا التصعيد كلّه , فبعض الاقلام يجعلها الفاصل الجوهري فمن كان مؤمنا بولاية الفقيه هو فارسي ومن المتحرر منها هو العربي ؟!
ان مسألة ولاية الفقيه مسألة خلافية قال بها من هو عربي وانكرها من هو فارسي حتى . فهي تتبع فهم الفقهاء واستظهارهم من النص .
فقد ورد نص عن الامام الصادق عليه السلام ما نصّه ( نظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما ) فاختلف الفقهاء بمعنى ( الحاكم ) مثلا قال السيد الخميني حاكم يعني ولي , اما السيد الخوئي يراها قاضيا , وورد عن الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه ما نصّه ( و أما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم ) ياتي فقيه ويقول ان حجتي عليكم يعني كحجيّة المعصوم ومن هنا يرى ان للفقيه الولاية العامة , وياتي فقيه آخر يقول لا حجتي يعني في مقام الفتوى وليست ولاية عامة .
فهذا اختلاف في فهم النصوص , وها هو السيد الخوئي فارسي ما قال بولاية الفقيه والسيد الصدر عربي قال بولاية الفقيه , فليس لها ربط بين التشيع العربي والتشيع الفارسي ؟!
ثانيا لو جئنا لولاية الفقيه , فهل ولاية الفقيه ان الفقيه يعمل ما يريد بهواه ومزاجه ؟! فالفقيه ليس دكتاتور او سلطان يفوق الامة , ان الفقيه لديه اعضاء مجلس يكتبون له تجارب وبحوث وهذه التجارب والبحوث تدرس بعناية من حيث سلبياتها وايجابياتها ثم يقولون له العلماء في المجلس النتيجة وبعد ذلك يصدر ولي الفقيه الحكم الولايتي . ( الحكم الولايتي هو الحكم الذي يصدر لمسألة معيّنة في فترة معيّنة فقط ) .
الوجه الخامس : الشعيرة
اولا الشعائر على قسمين شعائر ثابته وشعائر متغيرة .
الشعائر الثابته هي التي وردت فيها نصوص عن اهل البيت عليهم السلام مثلا شعيرة البكاء ورد عن الامام الصادق ( من ذكرنا عنده فسال من عينه مقدار جناح ذبابه غفر الله له ) , وشعيرة المأتم ورد عن الامام الباقر ( يا فضيل اتجلسون وتتحدثون .. فأحيوا فيها امرنا ) , و شعيرة زيارة الحسين وردت فيها ورايات متظافرة .. وشعيرة اللطم وردت عن الائمة عليهم السلام ( لما قتل الحسين ندبن اهل البيت ولطمن بمرى ومسمع من الامام زين العابدين ) فهذه شعائر ثابته لا تقبل التغيير لانها وردت بالنصوص وهناك شعائر متغييره يعني فرضها اختلاف المجتمعات والثقافات , مثلا الهند يمشون على النار يوم عاشوراء طيب هذه الشعيرة فرضتها الثقافة الاجتماعية التي يعيشونها .
ثانيا كيف نعتبر العمل شعيرة او ليس بشعيرة ؟!
الشعيرة ما يمتلك احد صفتين : ان يكون مظهرا للجزع على اهل البيت عليهم السلام ماورد عن الصادق ( كل الجزع مكروه ... الا على الحسين ) أما الصفة الثانية تعبير عن الاحتجاج ضد الظلم والجرائم في كل زمان . فاقرب مثال الاخوة الفلسطينيون عندما يعبرون عن احتجاجهم في بعض المظاهرات يعبرون عنها بانواع مختلفة فالتصفيق للشهيد ؟ او كرفع لوحة , فهل هذه التعبيرات اتت بنص ابدا انما تعبير عن الاحتجاج بطريقة تختلف من مجتمع الى آخر , نفس الشئ للامامية فهم يعبرون عن الاحتجاج ضد الظلم والجرائم التي ارتكبت بحق اهل البيت عليهم السلام يستخدمون اللطم والبكاء فما الاشكال ؟!
وهناك مظاهر هي محل كلام.
مسالة التطبير و الضرب بالسلاسل ويمارسها بشكل كبير الافغان والهنود والبحرينيون والعراقيون فقسم كبير من الشعوب يمارسها والكويتون الى عهد قريب .
فنحن لو اردنا ان نناقش هذه المسألة بموضوعيّة وبحيادية ناتي ونقول لمن يمارس التطبير والضرب بالسلاسل , لماذا تمارس هذا العمل ؟
يكون الجواب على عدة نظريات الاولى يكون الجواب هو ان هذا العمل تعبير عن الاحتجاج الذي يختلف من مجتمع الى آخر , ونظرية اخرى تقول بان هذا العمل استعدادا للتضحيّة وهناك نظرية أخرى يطرحها بعض الفقهاء يقول ان هذا التطبير اثار صورة شوهاء عن شيعة اهل البيت عليهم السلام , فوسائل الاعلام تركز على مسالة التطبير وان هؤلاء بلا عقل فنتيجة لتشويه هذه السمعة قالوا بحرمة التطبير حفاظا على سمعة المذهب ونقاء صورة المذهب ومن باب كونوا دعاة لنا بغير السنتكم .
المهم ان الشعائر ليست مستوردة من الفرس فهي ذات ميزان اذا انطبقت على الميزان اخذنا بها والا فلا وامتدت هذه المسالة منذ استشهاد الامام الحسين عليه السلام الى يومنا هذا .
من محاضرات السيد منير الخباز حفظه الله بصياغتي مع الكثير من التعديل .
تحياتي للجميع
انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا
صدق الله العلي العظيم
بما ان الاية المباركة تتحدث عن الموقع القدسي لاهل البيت عليهم السلام فهو موقع العصمة والطهارة , في ذلك وقع البحث عن علاقة المسلمين باهل البيت عليهم السلام .
هناك اطروحة يتبناها بعض الكتاب العرب محصلها ان التشيع مر بمرحلتين مرحلة التشيع العربي ومرحلة التشيع الفارسي , التشيع العربي هو الذي ولد في احضان الجزيرة العربية على يد مجموعة من العرب منهم ابوذر الغفاري وحجر بن عدي الكندي وامثالهم , وكان التشيع العربي يحمل خصائص متجانسة مع المذاهب الاسلامية الاخرى فلم يكن التشيع العربي بعيدا عن الاجواء الاسلامية المحيطة به الى ان توسعت رقعة التشيع ودخل المجتمع الفارسي في اطار المذهب الشيعي واصبحت اقطاب هذا المذهب من علماء الفرس فادخلوا في المذهب الشيعي مفاهيم ليس لها اصل من الشريعة وانما مفاهيم استقيت من الفلسفة الفارسية الاشراقية التي كانت يمتلكها المجتمع الفارسي ايام كسرى وقبل الاسلام .
فنصير الدين الطوسي وابن سينا و شهاب الدين السهروردي وملا صدره الشيرازي صبغوا المذهب الشيعي بالصبغة الفارسية يعني بفاهيم فارسية مستقاة من الحضارة او الفكر الفارسي الاشراقي الذي كان مهيمنا على الحضارة الفارسية قبل الاسلام وبذلك ابتعد التشيع عن اجوائه العربية وعن حظيرته الاسلامية لانه اكتسب مفاهيم جديدة ودخيلة ليست من الشريعة من هنا بدات بعض الاقلام تركز على الفرق بين التشيع العربي والتشيع الفارسي ولكل منهما معالم تختلف عن الآخر .
وتتلخص هذه الاطروحة بخمسة وجوه تتعرض للفرق بين التشيع العربي والتشيع الفارسي وسوف نطرح الوجوه ومناقشتها بشكل مفصّل نوعا ما .
الوجه الاول : الوجود متكثر ام واحد
ولنبيّن المسألة بشكل بسيط نقول أننا عندما نلقي نظرة على ما حولنا فنحن نرأى حقائق عديدة انسان – حيوان – نبات – جماد هذه حقائق عديدة وهذا ما يقول به العلم والتشيع العربي حيث ان التشيع العربي يرى ان الوجود كما نراه حقائق متعدده الانسان غير الحيوان والحيوان غير النبات , يعني الوجود على نحو الكثرة .
اما الفلسفة الاشراقية الفارسية طرحت نظرا آخر وقالت ان هذا الوجود الذي ترونه حقائق هو بالواقع حقيقة واحدة فليس بالوجود الا حقيقة واحدة وهي الله سبحانه وتعالى واما هذه الاشياء انسان – جماد نبات – مجرد اوهام , ان هي الا اسماء سميتوها انتم واباؤكم . فهذه الاشياء مجرد تعبيرات ورموز تعبر عن ذلك الموجود الواحد وهو الله سبحانه وتعالى فهم يرون ان الوجود حقيقة واحدة ليست متكثّرة .
الوجه الثاني : مصادر المعرفة
ان العلم الانساني والتشيع العربي يرى ان مصادر المعرفة مصدران العقل والوحي , فهناك معلومات نكتسبها من العقل واخرى من الوحي , حسن الاشياء وقبحها نكتسبها من العقل , الامانة شي حسن والخيانه شئ قبيح , وهناك معلومات مصدرها الوحي كعالم القبر , عالم الملائكة , عالم القيامة , هذه معلومات نكتسبها عن طريق الوحي .
اما التشيع الفارسي يعني الفلسفة الاشراقية الفارسية تقول : كما يقول شهاب الدين السهروردي او بعض كلمات الملاصدرة الشيرازي يقول : " ان المصدر للمعرفة هو الوحي والوحي درجات , اعلى درجة من درجات المعرفة هي الشهود يعني ان ينكشف لدى الانسان عالم الملكوت ويأخذ من الملك مباشرة وادنى مراتب الوحي هي الالهام " , فام موسى اوحي اليها يعني الهمت ( واوحينا الى ام موسى ) فمصدر المعرفة هو الوحي , و النفس البشرية اذا تخلت عن الرذائل واذا تحلّت بالفضائل يتجلى فيها نور الوحي وتلهم وتصل الى المعارف الصائبة .
الوجه الثالث : الامامة ( كفاءة أم وراثة )
ان التشيع العربي لا يرى الامامة بالوراثة بل يراها بالكفاءة يعني الشيعة الاوائل قالوا بامامة علي لانه اكفء من غيره ثم قالوا بامامة الحسن لانه اكفء من غيره , ثم ذهبوا للحسين لانه اكفء من غيره ثم ذهبوا لزين العابدين الى ان وصلوا للامام الباقر فاختلفوا من لديه كفاءة قال جماعة أن زيد بن علي أكفء , فصارت الزيدية وقال غيرهم أن جعفر أكفء فصارت الجعفرية وبعد موت الصادق صارت الكفاءة مرددة بين اسماعيل وموسى فمن اسماعيل صارت الاسماعيليّة ومن موسى صارت الاماميّة .فكانوا ( أصحاب التشيع العربي ) يرون أن الامامة ليست بالوراثة بل بالكفاءة وينتخبون الاكفأ .
أما الشيعة الفرس تبنوا نظرية كانت موجودة من ايام الملوك الساسانيين الذين حكموا بلاد فارس حيث كان المجتمع الفارسي يرى ان الله تعالى هو الموجود الاول والاخير وفي الكون رموز واشارات له تبارك وتعالى فاذا كان الرمز اكثر تجليا لله عز وجل فهو اولى من غيره فكلما صار الانسان اكثر مظهرا لله عزوجل فهو الاكفأ من غيره لذلك المجتمع الفارسي كان يرى ان الملوك الساسانين عائلة تجلى الله فيهم فهم اكثر الناس مظهرية لله عز وجل لاجل ذلك ثبت فيهم الملك وثبتت فيهم الزعامة والوراثة , فعندما دخل الفرس للاسلام أدخلوا نفس المفهوم الذي لديهم , وقالوا بأن اهل البيت من الامام علي عليه السلام الى الامام الثاني عشر هؤلاء مجموعة تجلى الله فيهم وهم اقوى رموز تشير الى الله لذلك ثبتت فيهم الامامة بالوراثة , فهذا مفهوم دخيل على التشيع جاءت به الفلسفة الاشراقية الفارسية .
الوجه الرابع : المعارضة و الولاية
التشيع العربي هو حركة معارضة من اول يوم , فالامام علي عليه السلام كان يدير حركة معارضة وابناؤه كذلك , ومن أظهر المعارضة العسكرية الامام الحسين و زيد بن علي وغيرهم , فالتشيع العربي ما عرف الا بالثورة والمواجهة والمعارضة , بينما التشيع الفارسي ادخل مفاهيمه , فقال فرق بين الفقهاء وغيرهم , فالفقهاء ورثوا التجلي من الائمة فلما انتهى عصر الائمة الوريث لمظهر التجلي هم الفقهاء , الراد عليهم كالراد على الله وعلى رسوله وجعلوا قدسية للفقيه لم تأتي من اصل شرعي , ثم اتوا باحاديث العلماء ورثة الانبياء ومن رد على العلماء فقد رد على الله وامثالها , فاصبحت نظرية ولاية الفقيه , فهي مستقاة من الحضارة الفارسية من الفلسفة الاشراقية الفارسيّة . باختصار قالوا ان هذا الفقيه مظهر لتجلي الله سبحانه فحق على الامة ان تستمع وان تطيع ولا تناقش ولا تعارض فقتلوا روح المعارضة الموجودة في التشيع العربي بهذه الطريقة الدكتاتورية المصنوعة بشكل جميل.
الوجه الخامس : الشعائر
ان التشيع العربي لم يكن يعرف شي اسمه شعيرة وشعائر . فالعرب طبيعتهم يحزنون فترة مؤقتة وانتهى , فطبيعة العرب لا يحملون هذا النفس الطويل من الحزن فدخلت عليهم ما يسمى بالشعائر مثل الضرب على الصدور والضرب بالسيوف والمشي على الجمر فهذه المفاهيم دخلت على التشيع العربي , والتشيع الفارسي ادخل هذه الشعائر عن طريق شاه عباس الصفوي فهو حكم العراق وفرض هذه الطقوس من تطبير وسلاسل حتى انك ترى الشيعة يجلدون انفسهم كل ذلك لاجل الطقوس التي نشرتها الثقافة الفارسية ومنشأ هذه المفاهيم الفارسية ان الفرس كانوا يحبون الى الملوك الساسانيين ويقبلون التراب الذي يمشون عليهم وبما ان نظرتهم انتقلت الى الائمة وانهم مظهر لتجليات الله سبحانه فهم أيضا يقيمون هذه الطقوس لهم وينبغي لنا ان نفنا لأجلهم ونذوب فيهم فنطبر ونجلد نفسنا لاجلهم .
فهذه الوجوه كلها توصل الى نقطة معينة ان التشيع العربي فقد صفاءه وحسنه عندما اختلط بالتشيع الفارسي , فضاعت المفاهيم بين التشيع الاصيل والتشيع الغير اصيل .
نحن حتى نسلط الضوء على هذه الاطروحة التي يروج لها هذه الايام وجب أن نعرف شيئين الأول أنها اشتملت على خلط الأوراق والاعتماد على مصادر غير معتبرة , والثاني أنها اطروحة ( قوميّة ) ما أتى بها الاسلام , فالاسلام لم يفرّق بين العربي والفارسي , وحتى نتكلم بعلميّة ان هذه النظرة نشأت منذ بداية عهد بني أميّة حيث أنهم أزاحوا الموالي ( العجم ) من جميع المناصب واستبدلوهم بالعرب فبدأت منذ ذلك العهد الطبيقيّة والفرق بين العربي والفارسي , ومن الغريب ان تجد عند بعض المفكرين العرب هذه النزعة نزعة العروبة والفرس وهو مفكر او اديب ومثقف.
وقبل الشروع بالرد على هذه الاطروحة وجب ان نلتفت الى أمر مهم جدا أنه اذا كانت هناك مجموعة من علماء الشيعة من الفرس فهل هذا يعني ان المذهب اختلطت فيه مفاهيم فارسيّة ؟
اذا كان الأمر كذلك فهذا الاشكال لا يقع على الشيعة فقط بل ينسحب الى غيرهم من المذاهب فالمذاهب الاسلامية الاخرى مؤسسيها فرس , فمن الائمة الأربعة لا يوجد عربي سوى احمد بن حنبل . ولو ذهبنا الى كتب الصحاح فاصح كتاب عند بعض المذاهب الاسلامية بعد القران هو البخاري والبخاري من بخارى فارسي وتلميذه الترمذي من بخارى والنسائي من نسا وهي قرية من قرى خراسان , اذن لا تختص المسالة بالشيعة فقط بل تنسحب الى جميع المذاهب الاسلامية .
مناقشة الوجوه
الوجه الاول : المنظار الى الوجود
عندنا نظريتان نظرية وحدة الوجود ونظرية وحدة الموجود أما النظرية الأولى هي نظرية وحدة الوجود ونظرية أخرى هي نظريّة وحدة الموجود .
الفرق بين النظريتين : ( بمثال )
اذا قارنا بين نور الشمس ونور الشمعة , فهذه لها نور والاخرى كذلك هذان نوران او نور واحد ؟! هذان نوران مختلفان وكل منهما له خصائص طبيعية معينة , لكن يجتمعان في قاسم مشترك نسميّه حقيقة النور , فهما نوران وان اجتمعا في حقيقة النور . فنفس الشئ بين وجود الانسان ووجود الله سبحانه فليس وجود الانسان كوجود الله سبحانه وتعالى , فوجود الانسان وجود محدود العلم والحياة والقدرة اما وجود الله سبحانه وجود لا محدود لكن الوجودين يشتركان في حقيقة واحدة وهي الوجود وهذا معنى نظرية وحدة ( الوجود ) .
اما نظرية وحدة الموجود تقول لا وجود لموجودات بل هناك وجود واحد والوجودات الاخرى عبارة عن أوهام , وهذه نظرية وحدة الموجود .
فنظرية وحدة الوجود هي النظرية التي يقول بها ( الفكر الشيعي سواء عربي او فارسي ) أما نظرية وحدة الموجود يقول بها بعض علماء العرفان لا كلهم فانت تاتي وتقول ان التشيع العربي يرى الكثرة والتشيع الفارسي يقول بالوحدة . فمن علمائنا الفرس يقول بوحدة الوجود لا وحدة الموجود .
فالخلط الذي وقع ان علماء المذهب الشيعي يقولون بنظرية وحدة الوجود , وبعض علماء العرفان يقولون بوحدة الموجود , وحتى من علماء العرفان الذين يقولون بهذه النظرية عرب ويخالفهم فرس فكيف بنى أصحاب الاطروحة هذه الفكرة ( لا نعلم ) .
الوجه الثاني : مصادر المعرفة
لم نجد في كتاب شيعي معتبر ان مصادر المعرفة هي واحدة بل وجدنا في كتاب شهاب الدين السهروردي فقط وهو لا يعبر عن الفكر الشيعي بالكامل فيقال الشيعة الفرس غيروا من مفاهيم التشيع العربي الى تشيع فارسي واذا أدرت ان تعرف مصادر المعرفة ارجع الى كتب الاصول , وكتب اصول الفقه وعلم الكلام ككتب العلامة الحلي ونصير الدين الطوسي والسيد الخوئي وغيرهم يرون ان المرجعية الوحيدة والاولى في اكتشاف الحقائق هو العقل , فلولا العقل ماثبت ان هناك وحي اساسا , فيذكر علماؤنا دليلين عقليين على وجود الله سبحانه ولزوم بعثة الأنبياء , الدليل الاول دليل الحسن والقبح العقليين والاخر دليل حساب الاحتمالات فهذه المرجعيّة لاثبات الحقائق , ونعم هناك ادلة اتت عن طريق الوحي صدقنا بها بعد ان اثبتنا ان الوحي كلام الله سبحانه عن طريق العقل , فالمرجع الاول للمعارف هو العقل وهذا ما عليه الشيعة فرسا وعربا .
الوجه الثالث : الامامة ( كفاءة ام وراثة )
ان مسألة أنّ الامامة ( الوصاية الالهيّة ) تنتقل من عائلة واحدة فهذه نظريّة فارسيّة , الجواب أبدا هذه النظرية قرآنيّة صرفة ( شرايك ) قوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) فالنبوّة انتقلت من ابراهيم الى ابنه الى ابن ابنه الى حفيده . وورد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ( لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية ).
فهذه النظرية قرآنية وليست فارسيّة , فالقران يقول ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) يعني هذا البيت بيت الطهارة فيه متوارثة من سابق الى لاحق . الرسول الاعظم يقول في حديث الثقلين اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهم لن تضلوا بعدي . فهذا الحديث اورده مالك وابن حنبل وابن حجر فكلهم عرب . اذن مسالة تناقل الامامة من سابق الى لاحق نظرية قرآنية .
ثم نحن لا نرى الامامة بالوراثة بل نراها بالنص الدال على الكفاءة , لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه واله وسلم فمن يرثه المفروض ان من يرثه ابنته السيد فاطمة سلام الله عليها لكن الامامة انتقلت الى الامام علي عليه السلام , كذلك بعد موت الامام الحسن المفروض ان يرثه ابنائه لكنها انتقلت الى الامام الحسين, وبعد موت الامام الصادق عليه السلام المفترض تنتقل الامامة الى ولده الاكبر عبدالله لكنها ذهبت الى ولده موسى الاوسط . فليست المسالة عندنا بالوراثة بل بالكفاءة يعني من كان معصوما عالما فهو الامام والكيفية عن طريق النص , فزيد بن علي كان انسان تقي وابن اخيه جعفر الصادق كان تقيا طاهرا وما ميز لنا العصمة والعلم هو النص .
الوجه الرابع : ولاية الفقيه
تصوير ولاية الفقيه كانها مبدا ادخله الفرس على الفكر الشيعي واستغفلوا حتى الشيعة انفسهم على ان هذا المفهوم هو مفهوم فارسي مستورد , اولا ان مسالة ولاية الفقيه لا تحتاج الى هذا التصعيد كلّه , فبعض الاقلام يجعلها الفاصل الجوهري فمن كان مؤمنا بولاية الفقيه هو فارسي ومن المتحرر منها هو العربي ؟!
ان مسألة ولاية الفقيه مسألة خلافية قال بها من هو عربي وانكرها من هو فارسي حتى . فهي تتبع فهم الفقهاء واستظهارهم من النص .
فقد ورد نص عن الامام الصادق عليه السلام ما نصّه ( نظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما ) فاختلف الفقهاء بمعنى ( الحاكم ) مثلا قال السيد الخميني حاكم يعني ولي , اما السيد الخوئي يراها قاضيا , وورد عن الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه ما نصّه ( و أما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم ) ياتي فقيه ويقول ان حجتي عليكم يعني كحجيّة المعصوم ومن هنا يرى ان للفقيه الولاية العامة , وياتي فقيه آخر يقول لا حجتي يعني في مقام الفتوى وليست ولاية عامة .
فهذا اختلاف في فهم النصوص , وها هو السيد الخوئي فارسي ما قال بولاية الفقيه والسيد الصدر عربي قال بولاية الفقيه , فليس لها ربط بين التشيع العربي والتشيع الفارسي ؟!
ثانيا لو جئنا لولاية الفقيه , فهل ولاية الفقيه ان الفقيه يعمل ما يريد بهواه ومزاجه ؟! فالفقيه ليس دكتاتور او سلطان يفوق الامة , ان الفقيه لديه اعضاء مجلس يكتبون له تجارب وبحوث وهذه التجارب والبحوث تدرس بعناية من حيث سلبياتها وايجابياتها ثم يقولون له العلماء في المجلس النتيجة وبعد ذلك يصدر ولي الفقيه الحكم الولايتي . ( الحكم الولايتي هو الحكم الذي يصدر لمسألة معيّنة في فترة معيّنة فقط ) .
الوجه الخامس : الشعيرة
اولا الشعائر على قسمين شعائر ثابته وشعائر متغيرة .
الشعائر الثابته هي التي وردت فيها نصوص عن اهل البيت عليهم السلام مثلا شعيرة البكاء ورد عن الامام الصادق ( من ذكرنا عنده فسال من عينه مقدار جناح ذبابه غفر الله له ) , وشعيرة المأتم ورد عن الامام الباقر ( يا فضيل اتجلسون وتتحدثون .. فأحيوا فيها امرنا ) , و شعيرة زيارة الحسين وردت فيها ورايات متظافرة .. وشعيرة اللطم وردت عن الائمة عليهم السلام ( لما قتل الحسين ندبن اهل البيت ولطمن بمرى ومسمع من الامام زين العابدين ) فهذه شعائر ثابته لا تقبل التغيير لانها وردت بالنصوص وهناك شعائر متغييره يعني فرضها اختلاف المجتمعات والثقافات , مثلا الهند يمشون على النار يوم عاشوراء طيب هذه الشعيرة فرضتها الثقافة الاجتماعية التي يعيشونها .
ثانيا كيف نعتبر العمل شعيرة او ليس بشعيرة ؟!
الشعيرة ما يمتلك احد صفتين : ان يكون مظهرا للجزع على اهل البيت عليهم السلام ماورد عن الصادق ( كل الجزع مكروه ... الا على الحسين ) أما الصفة الثانية تعبير عن الاحتجاج ضد الظلم والجرائم في كل زمان . فاقرب مثال الاخوة الفلسطينيون عندما يعبرون عن احتجاجهم في بعض المظاهرات يعبرون عنها بانواع مختلفة فالتصفيق للشهيد ؟ او كرفع لوحة , فهل هذه التعبيرات اتت بنص ابدا انما تعبير عن الاحتجاج بطريقة تختلف من مجتمع الى آخر , نفس الشئ للامامية فهم يعبرون عن الاحتجاج ضد الظلم والجرائم التي ارتكبت بحق اهل البيت عليهم السلام يستخدمون اللطم والبكاء فما الاشكال ؟!
وهناك مظاهر هي محل كلام.
مسالة التطبير و الضرب بالسلاسل ويمارسها بشكل كبير الافغان والهنود والبحرينيون والعراقيون فقسم كبير من الشعوب يمارسها والكويتون الى عهد قريب .
فنحن لو اردنا ان نناقش هذه المسألة بموضوعيّة وبحيادية ناتي ونقول لمن يمارس التطبير والضرب بالسلاسل , لماذا تمارس هذا العمل ؟
يكون الجواب على عدة نظريات الاولى يكون الجواب هو ان هذا العمل تعبير عن الاحتجاج الذي يختلف من مجتمع الى آخر , ونظرية اخرى تقول بان هذا العمل استعدادا للتضحيّة وهناك نظرية أخرى يطرحها بعض الفقهاء يقول ان هذا التطبير اثار صورة شوهاء عن شيعة اهل البيت عليهم السلام , فوسائل الاعلام تركز على مسالة التطبير وان هؤلاء بلا عقل فنتيجة لتشويه هذه السمعة قالوا بحرمة التطبير حفاظا على سمعة المذهب ونقاء صورة المذهب ومن باب كونوا دعاة لنا بغير السنتكم .
المهم ان الشعائر ليست مستوردة من الفرس فهي ذات ميزان اذا انطبقت على الميزان اخذنا بها والا فلا وامتدت هذه المسالة منذ استشهاد الامام الحسين عليه السلام الى يومنا هذا .
من محاضرات السيد منير الخباز حفظه الله بصياغتي مع الكثير من التعديل .
تحياتي للجميع